فصل: سئل: عن رجل اشترى جارية ثم بعد يومين أو ثلاث وطئها قبل أن تحيض ثم باعها بعد عشرة أيام‏؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن امرأة معتدة عدة وفاة، ولم تعتد في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية‏:‏ فهل يجب عليها إعادة العدة‏؟‏ وهل تأثم بذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

العدة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشرا من حين الموت، ولا تقضي العدة‏.‏ فإن كانت خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها‏.‏ وإن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة، أو باتت في غير ضرورة أو تركت الإحداد، فلتستغفر الله وتتوب إليه من ذلك، ولا إعادة عليها‏.‏

/ وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن رجل توفي وقعدت زوجته في عدته أربعين يوما، فما قدرت تخالف مرسوم السلطان، ثم سافرت وحضرت إلى القاهرة، ولم تتزين لا بطيب، ولا غيره‏:‏ فهل تجوز خطبتها، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

العدة تنقضي بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن كان قد بقي من هذه شيء فلتتمه في بيتها، ولا تخرج ليلا ولا نهارا إلا لأمر ضروري، وتجتنب الزينة، والطيب في بدنها وثيابها‏.‏ ولتأكل ما شاءت من حلال، وتشم الفاكهة، وتجتمع بمن يجوز لها الاجتماع به في غير العدة، لكن إن خطبها إنسان لا تجيبه صريحا‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها، فمات زوجها في شعبان‏:‏ فهل يجوز لها أن تحج‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس لها أن تسافر في العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة‏.‏

/ باب الاستبراء

 سئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عن رجل اشترى جارية، ثم بعد يومين أو ثلاث وطئها قبل أن تحيض ثم باعها بعد عشرة أيام‏:‏ فهل يجوز للسيد الثاني أن يطأها قبل أن تحيض‏؟‏

فأجاب‏:‏

لم يكن يحل له وطؤها قبل أن يستبرئها باتفاق الأئمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏‏.‏ وكذلك المشتري الثاني لا يجوز له وطؤها قبل أن تحيض عنده باتفاق الأئمة، بل لا يجوز في أحد قولي العلماء أن يبيعها الواطئ حتى يستبرئها‏.‏ وهل عليه استبراء، وعلى المشتري استبراء، أو استبرآن، أو يكفيهما استبراء واحد‏؟‏ على قولين‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ باب الرضــاع

قال شيخ الإسلام ـ رَحمه الله‏:‏

 فصل

وأما المحرمات بالرضاع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة‏)‏، وهذا مما اتفق عليه علماء المسلمين، لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء المعروفين‏.‏

فإذا ارتضع الطفل من امرأة خمس رضعات في الحولين قبل الفطام صار ولدها باتفاق الأئمة، وصار الرجل الذي در اللبن بوطئه أبا لهذا المرتضع باتفاق الأئمة المشهورين، وهذا يسمي لبن الفحل وقد ثبت ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عائشة كانت قد أرضعتها امرأة، وكان لها زوج يقال له‏:‏ أبو القعيس فجاء أخوه يستأذن عليها، فأبت أن تأذن له، حتى سألت /النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها‏:‏ ‏(‏ائذني له فإنه عمك‏)‏ فقالت عائشة‏:‏ إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل، فقال‏:‏ ‏(‏إنه عمك فليلج عليك وقال‏:‏ يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب‏)‏‏.‏

وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع صار كل من أولادهما إخوة المرضع، سواء كانوا من الأب فقط أو من المرأة، أو منهما، أو كانوا أولادا لهما من الرضاعة، فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة، حتى لو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا، وهذه طفلة كانا أخوين، ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين‏.‏ وهذه المسألة سئل عنها ابن عباس فقال‏:‏ اللقاح واحد، يعني الرجل الذي وطئ المرأتين حتى در اللبن واحد‏.‏

ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة، وبعد الرضاعة باتفاق المسلمين‏.‏ وما يظنه كثير من الجهال أنه إنما يحرم من رضع معه، هو ضلال على صاحبه إن لم يرجع عنه، فإن أصر على استحلال ذلك استتيب كما يستتاب سائر من أباح الإخوة من الرضاعة، فإن تاب، وإلا قتل‏.‏

وإذا كان كذلك فجميع أقارب المرأة أقارب للمرتضع من الرضاعة أولادها إخوته، وأولاد أولادها أولاد إخوته، وآبائها وأمهاتها /أجداده، وأخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وكل هؤلاء حرام عليه‏.‏

وأما بنات أخواله وخالاته من الرضاع، فحلال كما يحل ذلك من النسب، وأقارب الرجل أقاربه من الرضاع، أولاد أخوته وأولادهم أولاد أخوته‏.‏ وأخوته أعمامه وعماته، وهن حرام عليه‏.‏ وحل له بنات عمه وبنات عماته‏.‏ وأولاد المرتضع بمنزلته، كما أن أولاد المولود بمنزلته فليس لأولاده من النسب ولا رضاع أن يتزوجوا أخوته ولا أخوة أبيه، لا من نسب ولا رضاع لأنهم أعمامهم وعماتهم، وأخوالهم وخالاتهم‏.‏

وأما أخوة المرتضع من نسب أو رضاع غير رضاع هذه المرضعة فهم أجانب منها ومن أقاربها، فيجوز لأخوة هؤلاء أن يتزوجوا أولاد المرضعة، كما إذا كان أخ للرجل من أبيه وأخت من أمه، وبالعكس، جاز أن يتزوج أحدهما الآخر، وهو نفسه لا يتزوج واحداً منهما، فكذلك المرتضع هو نفسه لا يتزوج واحدا من أولاد مرضعه، ولا أحداً من أولاد والديه، فإن هؤلاء أخوته من الرضاع، وهؤلاء أخوته من النسب‏.‏ ويجوز لأخوته من الرضاع أن يتزوجوا أخوته من النسب، كما يجوز لأخوته من أبيه أن يتزوجوا أخوته من أمه، وهذا كله متفق عليه بين العلماء‏.‏

/ولكن بعض المنتصبين للفتيا قد يغلط في هذه المسائل، لالتباس أمرها على المستفتين، ولا يذكرون ما يسألون عنه بالأسماء والصفات المعتبرة في الشرع، مثل أن يقول‏:‏ اثنان تراضعا‏:‏ هل يتزوج هذا بأخت هذا‏؟‏ وهذا سؤال مجمل، فالمرتضع نفسه ليس له أن يتزوج من أخوات الآخر اللاتي هن من أمه التي أرضعت، وإن كان له أخوات من غير تلك الأم فهن أجانب من المرتضع فللمرتضع أن يتزوج منهن‏.‏ وكذلك إذا قيل‏:‏ طفل وطفلة تراضعا، أو طفلان تراضعا‏:‏ هل يحل أن يتزوج أحدهما بأخوة الآخر، ويتزوج الأخوات من الجانبين بعضهم لبعض، فجواب ذلك أن أخوة كل من المتراضعين لهم أن يتزوجوا أخوات الآخر، إذا لم يرتضع الخاطب من أم المخطوبة، ولا المخطوبة من أم الخاطب، وهذا متفق عليه بين العلماء وأما المتراضعين فليس لأحدهما أن يتزوج شيئا من أولاد المرضعة، فلا يتزوج هذا بأحد من أخوة الآخر من الأم التي أرضعته أو من الأب صاحب اللبن، ويجوز أن يتزوج كل منهما من أخوة الآخر الذين ليسوا من أولاد أبويه من الرضاعة، فهذا جواب هذه الأقسام‏.‏

فإن الرضيع‏:‏ إما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من تلك المرأة أو الرجل، وإما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من النسب أو من رضاعة أخري‏.‏ وإخوة الرضيع إما أن يتزوجوا من هؤلاء، وإما من هؤلاء وإما من هؤلاء‏.‏ فأخوة الرضيع لهم أن يتـزوجوا الجميع ـ أولاد المرضعة /وزوجها من نسب أو رضاع ـ ولأخوة هذا أن يتزوجوا بأخوة هذا، بل لأب هذا من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع‏.‏ وأما أولاد المرضعة فلا يتزوج أحد منهن المرتضع، ولا أولاده، ولا يتزوج أحداً من أولاد أخوتها وأخواتها، لا من نسب، ولا من رضاع، فإنه يكون‏:‏ إما عما وإما خالا، وهذا كله متفق عليه بين العلماء‏.‏

ثم الرضاع المحرم فيه ثلاثة أقوال مشهورة هي ثلاث روايات عن أحمد‏:‏

أحدها‏:‏ أنه يحرم كثيره وقليله، وهي مذهب مالك، وأبي حنيفة، لإطلاق القرآن‏.‏

والثاني‏:‏ لا تحرم الرضعة والرضعتان، ويحرم ما فوق ذلك، وهو مذهب طائفة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏لا تحرم الرضعة والرضعتان‏)‏ وروي‏:‏ ‏(‏المصة، والمصتان‏)‏، وروي ‏(‏الإملاجة، والإملاجتان‏)‏، فنفي التحريم عنهما وبقي الباقي على العموم والمفهوم‏.‏

والثالث‏:‏ أنه لا يحرم إلا خمس رضعات، وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد، لحديثين صحيحين؛ حديث عائشة‏:‏ ‏(‏إن مما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك‏)‏، ولأمره صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة أن ترضع سالما مولي أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة خمس رضعات، ليصير محرما لها بذلك‏.‏

/وعلى هذا، فالرضعة في مذهب الشافعي وأحمد ليست هي الشبعة وهو أن يلتقم الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع، بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة، سواء شبع بها أو لم يشبع إلا برضعات، فإذا التقمه بعد ذلك فرضع ثم تركه فرضعة أخري، وإن تركه بغير اختياره ثم عاد قريبا ففيه نزاع‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى‏:‏

ما الذي يحرم من الرضاع، وما الذي لا يـحرم‏؟‏ وما دليل حديث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ ‏(‏أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏)‏، ولتبينوا جميع التحريم منه‏؟‏ وهل للعلماء فيه اختلاف‏؟‏ وإن كان لهم اختلاف فما هو الصواب والراجح فيه‏؟‏ وهل حكم رضاع الصبي الكبير الذي دون البلوغ أو الذي يبلغ حكمه حكم الصغير الرضيع؛ فإن بعض النسوة يرضعن أولادهن خمس سنين، وأكثر، وأقل‏؟‏ وهل يقع تحريم بين المرأة والرجل المتزوجين برضاع بعض قراباتهم لبعض‏؟‏ وبينوه بيانًا شافيًا‏؟‏

الجواب‏:‏

الحمد لله، حديث عائشة حديث صحيح متفق على صحته، وهو متلقي بالقبول؛ فإن الأئمة اتفقوا على العمل به، ولفظه‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاع ما يحرم من /النسب‏)‏، والثاني ‏(‏يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة‏)‏‏.‏ ‏.‏ وقد استثني بعض الفقهاء المستأخرين من هذا العموم صورتين، وبعضهم أكثر من ذلك وهذا خطأ؛ فإنه لا يحتاج أن يستثني من الحديث شيء، ونحن نبين ذلك فنقول‏:‏

إذا ارتضع الرضيع من المرأة خمس رضعات في الحولين صارت المرأة أمه وصار زوجها الذي جاء اللبن بوطئه أباه، فصار ابنا لكل منهما من الرضاعة، وحينئذ فيكون جميع أولاد المرأة من هذا الرجل ومن غيره وجميع أولاد الرجل منها ومن غيرها أخوة له، سواء ولدوا قبل الرضاع أو بعده باتفاق الأئمة‏.‏

وإذا كان أولادهما أخوته كان أولاد أولادهما أولاد أخوته، فلا يجوز للمرتضع أن يتزوج أحدًا من أولادهما، ولا أولاد أولادهما؛ فإنهم‏:‏ إما إخوته وإما أولاد إخوته، وذلك يحرم من الولادة‏.‏ وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته من الرضاع، وأبوها وأمها أجداده وجداته من الرضاع، فلا يجوز له أن يتزوج أحدا من إخوتها ولا من أخواتها وإخوة الرجل أعمامه وعماته‏.‏ وأبو الرجل وأمهاته أجداده وجداته، فلا يتزوج بأعمامه وعماته، ولا بأجداده وجداته، لكن يتزوج بأولاد الأعمام والعمات، فإن جميع أقارب الرجل حرام عليه إلا أولاد الأعمام والعمات، وأولاد الخال والخالات، كما ذكر الله في قوله‏:‏ /‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 50‏]‏، فهؤلاء الأصناف الأربعة هي المباحات من الأقارب، فيبحن من الرضاعة‏.‏ وإذا كان المرتضع ابنا للمرأة وزوجها فأولاده أولاد أولادهما، ويحرم على أولاده ما يحرم على الأولاد من النسب، فهذه الجهات الثلاث منها تنتشر حرمة الرضاع‏.‏

وأما إخوة المرتضع من النسب، وأبوه من النسب وأمه من النسب، فهم أجانب أبيه وأمه وإخوته من الرضاع، ليس بين هؤلاء وهؤلاء صلة لا نسب ولا رضاع؛ لأن الرجل يمكن أن يكون له أخ من أبيه وأخ من أمه ولا نسب بينهما، بل يجوز لأخيه من أبيه أن يتزوج أخاه من أمه، فكيف إذا كان أخ من النسب وأخت من الرضاع، فإنه يجوز لهذا أن يتزوج هذا، ولهذا أن يتزوج بهذا‏.‏

وبهذا تزول الشبهة التي تعرض لبعض الناس، فإنه يجوز للمرتضع أن يتزوج أخوه من الرضاعة بأمه من النسب، كما يتزوج بأخته من النسب‏.‏ ويجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة، وهذا لا نظير له في النسب، فإن أخ الرجل من النسب لا يتزوج بأمه من النسب‏.‏ وأخته من الرضاع ليست بنت أبيه من النسب، ولا ربيبته، فلهذا جاز أن تتزوج به‏.‏ /فيقول من لا يحقق‏:‏ يحرم في النسب على أخي أن يتزوج أمي، ولا يحرم مثل هذا في الرضاع‏.‏ وهذا غلط منه، فإن نظير المحرم من النسب أن تتزوج أخته أو أخوه من الرضاعة بابن هذا الأخ أو بأمه من الرضاعة، كما لو ارتضع هو وآخر من امرأة واللبن لفحل، فإنه يحرم على أخته من الرضاعة أن تتزوج أخاه وأخته من الرضاعة، لكونهما أخوين للمرتضع ويحرم عليهما أن يتزوجا أباه وأمه من الرضاعة، لكونهما ولديهما من الرضاعة، لا لكونهما أخوي ولديهما، فمن تدبر هذا ونحوه زالت عنه الشبهة‏.‏

وأما رضاع الكبير فإنه لا يحرم في مذهب الأئمة الأربعة، بل لا يحرم إلا رضاع الصغير، كالذي رضع في الحولين‏.‏ وفيمن رضع قريبا من الحولين نزاع بين الأئمة، لكن مذهب الشافعي وأحمد أنه لا يحرم‏.‏ فأما الرجل الكبير والمرأة الكبيرة فلا يحرم أحدهما على الآخر برضاع القريب، مثل أن ترضع زوجته لأخيه من النسب، فهنا لا تحرم عليه زوجته، لما تقدم من أنه يجوز لأخيه من النسب أن يتزوج بالتي هي أخته من الرضاعة، ليس بينه وبينها صلة نسب ولا رضاع، وإنما حرمت على أخيه لأنها أمه من الرضاع، وليست أم نفسه من الرضاع، وأم المرتضع من الرضاع لا تكون أما لأخوته من النسب؛ لأنها إنما أرضعت الرضيع ولم ترضع غيره‏.‏ نعم /لو كان للرجل نسوة يطأهن وأرضعت كل واحدة طفلا لم يجز أن يتزوج أحدهما الآخر، ولهذا لما سئل ابن عباس عن ذلك قال‏:‏ اللقاح واحد‏.‏ وهذا مذهب الأئمة الأربعة؛ لحديث أبي القعيس الذي في الصحيحين عن عائشة وهو معروف‏.‏

وتحرم عليه أم أخيه من النسب؛ لأنها أمه أو امرأة أبيه، وكلاهما حرام عليه‏.‏ وأما أم أخيه من الرضاعة فليست أمه ولا امرأة أبيه؛ لأن زوجها صاحب اللبن ليس أبا لهذا، لا من النسب، ولا من الرضاعة‏.‏

فإذا قال القائل‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب‏)‏، وأم أخيه من النسب حرام، فكذلك من الرضاع‏.‏ قلنا‏:‏ هـذا تلبيس، وتدليس، فإن الله لم يقل‏:‏ حرمت عليكم أمهات أخواتكم، وإنما قال‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، وقال تعالي‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 22‏]‏، فحرم على الرجل أمه، ومنكوحة أبيه وإن لم تكن أمه‏.‏ وهذه تحرم من الرضاعة، فلا يتزوج أمه من الرضاعة‏.‏ وأما منكوحة أبيه من الرضاع فالمشهور عند الأئمة أنها تحرم، لكن فيها نزاع لكونها من المحرمات بالصهر، لا بالنسب والولادة‏.‏ وليس الكلام هنا في تحريمها، فإنه إذا قيل‏:‏ تحرم منكوحة أبيه من الرضاعة وفينا بعموم الحديث‏.‏ وأما أم أخيه التي ليست أما ولا منكوحة أب، فهذه لا توجد في /النسب، فلا يجوز أن يقال‏:‏ تحرم من النسب فلا يحرم نظيرها من الرضاعة، فتبقي أم الأم من النسب لأخيه من الرضاعة، أو الأم من الرضاعة لأخيه من النسب، لا نظير لها من الولادة، فلا تحرم‏.‏ وهذا متفق عليه بين المسلمين‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن طفل ارتضع من امرأة مع ولدها رضعة أو بعض رضعة، ثم تزوجت برجل آخر فرزقت منه ابنة‏:‏ فهل يحل للطفل المرتضع تزويج الابنة على هذه الصورة، أم لا‏؟‏ وما دليل مالك ـ رحمه الله ـ وأبي حنيفة في أن المصة الواحدة أو الرضعة الواحدة تحرم، مع ماورد من الأحاديث التي خرجها مسلم في صحيحه، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تحرم المصة ولا المصتان‏)‏، ومنها‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان‏)‏، ومنها‏:‏ أن رجلا من بني عامر بن صعصعة قال‏:‏ يا رسول الله، هل تحرم الرضعة الواحدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏‏.‏ ومنها‏:‏ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت‏:‏ كان فيما أنزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن نسخت بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن‏.‏ وما حجتهما مع هذه الأحاديث الصحيحة‏؟‏ ‏!‏

/فأجاب‏:‏

هذه المسألة فيها نزاع مشهور في مذهب الشافعي وأحمد ـ في المشهور عنه ـ لا يحرم إلا خمس رضعات؛ لحديث عائشة المذكور، وحديث سالم مولى أبي حذيفة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي حذيفة بن عتبة بن أبي ربيعة أن ترضعه خمس رضعات، وهو في الصحيح أيضًا، فيكون مادون ذلك لم يحرم، فيحتاج إلى خمس رضعات‏.‏

وقيل‏:‏ يحرم الثلاث فصاعدا، وهو قول طائفة ـ منهم أبو ثور وغيره ـ وهو رواية عن أحمد‏.‏ واحتجوا بما في الصحيح‏:‏ ‏(‏لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ مفهومه أن الثلاث تحرم، ولم يحتج هؤلاء بحديث عائشة‏.‏ قالوا‏:‏ لأنه لم يثبت أنه قرآن إلا بالتواتر، وليس هذا بمتواتر‏.‏

فقال لهم الأولون‏:‏ معنا حديثان صحيحان مثبتان‏:‏ أحدهما يتضمن شيء ين حكما، وكونه قرآنا‏.‏ فما ثبت من الحكم يثبت بالأخبار الصحيحة‏.‏ وأما ما فيه من كونه قرآنا، فهذا لم نثبته، ولم نتصور أن ذلك قرآن، إنما نسخ رسمه وبقي حكمه‏.‏

فقال أولئك‏:‏ هذا تناقض، وقراءة شاذة عند الشافعي، فإن عنده أن القراءة الشاذة لا يجوز الاستدلال بها، لأنها لم تثبت بالتواتر، كقراءة /ابن مسعود‏:‏ ‏(‏فصيام ثلاثة أيام متتابعات‏)‏ وأجابوا عن ذلك بجوابين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن هذا فيه حديث آخر صحيح‏.‏ و أيضًا فلم يثبت أنه بقي قرآن لكن بقي حكمه‏.‏ والثاني‏:‏ أن هذا الأصل لا يقول به أكثر العلماء، بل مذهب أبي حنيفة، بل ذكر ابن عبد البر إجماع العلماء على أن القراءة الشاذة إذا صح النقل بها عن الصحابة فإنه يجوز الاستدلال بها في الأحكام‏.‏

والقول الثاني في المسألة‏:‏ أنه يحرم قليله وكثيره، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك، وهي رواية ضعيفة عن أحمد‏.‏ وهؤلاء احتجوا بظاهر قوله‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ اسم الرضاعة في القرآن مطلق‏.‏ وأما الأحاديث فمنهم من لم تبلغه‏.‏ ومنهم من اعتقد أنها ضعيفة‏.‏ ومنهم من ظن أنها تخالف ظاهر القرآن، واعتقد أنه لا يجوز تخصيص عموم القرآن وتقييد مطلقة بأخبار الآحاد‏.‏

فقال الأولون‏:‏ هذه أخبار صحيحة ثابتة عند أهل العلم بالحديث، وكونها لم تبلغ بعض السلف لا يوجب ذلك ترك العمل بها عند من يعلم صحتها‏.‏ وأما القرآن فإنه يحتمل أن يقال‏:‏ فكما أنه قد علم بدليل آخر أن الرضاعة مقيدة بسن مخصوص، فكذلك يعلم أنها مقيدة بقدر مخصوص‏.‏ وهذا كما أنه علم بالسنة مقدار الفدية في قوله‏:‏ ‏{‏فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏، وإن كان الخبر المروي خبرا واحدا، بل كما تثبت بالسنة أنه لا تنكح المرأة على عمتها /ولا تنكح المرأة على خالتها، وهو خبر واحد بظاهر القرآن، واتفق الأئمة على العمل به، وكذلك فسر بالسنة المتواترة وغير المتواترة بحمل قوله‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏، وفسر بالسنة المتواترة أمور من العبادات والكفارات، والحدود‏:‏ ما هو مطلق من القرآن‏.‏ فالسنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه‏.‏

والتقييد بالخمس له أصول كثيرة في الشريعة، فإن الإسلام بني على خمس، والصلوات المفروضات خمس، وليس فيما دون خمس صدقة، والأوقاص بين النصب خمس أو عشر، أو خمس عشرة، وأنواع البر خمس، كما قال تعالي‏:‏ ‏{‏وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 177‏]‏، وقال في الكفر‏:‏ ‏{‏وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 136‏]‏، وأولو العزم، وأمثال ذلك بقدر الرضاع المحرم ليس بغريب في أصول الشريعة‏.‏

والرضاع إذا حرم لكونه ينبت اللحم وينشز العظم فيصير نباته به كنباته من الأبوين، وإنما يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة؛ ولهذا لم يحرم رضاع الكبير، لأنه بمنزلة الطعام والشراب‏.‏ والرضعة والرضعتان ليس لها تأثير كما أنه قد يسقط اعتبارها كما يسقط اعتبار ما دون نصاب السرقة حتى لا تقطع الأيدي بشيء من التافه، واعتباره في نصاب الزكاة فلا يجب فيها شيء إذا كان أقل، ولابد من حد فاصل، فهذا هو /التنبيه على مأخذ الأئمة في هذه المسألة‏.‏ وبسط الكلام فيها يحتاج إلى ورقة أكبر من هذه، وهي من أشهر مسائل النزاع‏.‏ والنزاع فيها من زمان الصحابة، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تنازعوا في هذه المسألة والتابعون بعدهم‏.‏

وأما إذا شك‏:‏ هل دخل اللبن في جوف الصبي، أو لم يحصل، فهنا لا نحكم بالتحريم بلا ريب‏.‏ وإن علم أنه حصل في فمه، فإن حصول اللبن في الفم لا ينشر الحرمة باتفاق المسلمين‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن أختين ولهما بنات وبنين، فإذا أرضع الأختان هذه بنات هذه، وهذه بنات هذه، فهل يحرمن على البنين، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا أرضعت المرأة الطفلة خمس رضعات في الحولين صارت بنتا لها، فصار جميع أولاد المُرْضِعة أخوة لهذه المرتَضَعَة ـ ذكورهم وإناثهم ـ من ولد قبل الرضاع، ومن ولد بعده ـ فلا يجوز لأحد من أولاد المُرْضِعة أن يتزوج المرتضَعَة، بل يجوز لأخوة المرتضعة أن يتزوجوا بأولاد المرضعة الذين لم يرتضعوا من أمهن، فالتحريم إنما هو على المرتضعة، لا على /أخوتها الذين لم يرتضعوا، فيجوز أن يتزوج أخت أخته إذا كان هو لم يرتضع من أمها وهي لم ترضع من أمه‏.‏ وأما هذه المرتضعة فلا تتزوج واحدًا من أولاد من أرضعتها‏.‏ وهذا باتفاق الأئمة‏.‏

وأصل هذا أن المرتضعة تصير المرضعة أمها، فيحرم عليها أولادها، وتصير إخوتها وأخواتها أخوالها وخالاتها، ويصير الرجل الذي له اللبن أباها، وأولاده من تلك المرأة وغيرها أخوتها، وإخوة الرجل أعمامها وعماتها، ويصير المرتضع وأولاده وأولاد أولاده أولاد المرضعة، والرجل الذي در اللبن بوطئه‏.‏ وأما إخوة المرتضع وأخواته وأبوه وأمه من النسب فهم أجانب، لا يحرم عليهم بهذا الرضاع شيء‏.‏ وهذا كله باتفاق الأئمة الأربعة وإن كان لهم نزاع في غير ذلك‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن رجل ارتضع مع رجل، وجاء لأحدهما بنت‏:‏ فهل للمرتضع أن يتزوج بالبنت‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا ارتضع الطفل من المرأة خمس رضعات في الحولين صار ابنا لها، وصار جميع أولادها إخوته الذين ولدتهم قبل الرضاعة والذين ولدتهم بعد الرضاعة‏.‏ والرضاعة يحرم فيها ما يحرم من الولادة، بسنة رسول الله /صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة، فلا يجوز لأحد أن يتزوج بنت الآخر، كما لا يجوز أن يتزوج بنت أخيه من النسب باتفاق الأئمة‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله ـ عن رجل له بنات خالة‏:‏ أختان، واحدة رضعت معه، والأخرى لم ترضع معه‏:‏ فهل يجوز له أن يتزوج التي لم ترضع معه‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا ارتضع معها خمس رضعات في الحولين صار ابنا لها، حرم عليه جميع بناتها من ولد قبل الرضاع ومن ولد بعده لأنهن أخواته باتفاق العلماء‏.‏ ومتى ارتضعت المخطوبة من أم لم يجز لها أن تتزوج واحداً من بني المرضعة‏.‏ وأما إذا كان الخاطب لم يرتضع من أم المخطوبة، ولا هي رضعت من أمه، فإنه يجوز أن يتزوج أحدهما بالآخر، باتفاق العلماء، وإن كان إخوتها تراضعا‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن امرأة استأجرت لبنتها مرضعة يوما أو شهرا، ومضت السنون، وللمرضعة ولد قبلها‏:‏ فهل يحل لهما الزواج‏؟‏

/فأجاب‏:‏

الحمد لله، إذا أرضعتها الداية خمس رضعات في الحولين صارت بنتا لها، فجميع أولاد المرضعة حرام على هذه المرضعة، وإن ولد قبل الرضاع أو بعده‏.‏ وهذا باتفاق المسلمين‏.‏ ومن استحل ذلك فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولكن إذا كان للمرتضعة أخوات من النسب جاز لهن أن يتزوجن بأخوتها من الرضاع باتفاق المسلمين‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله ـ عن رجل تزوج امرأة بعد امرأة، وقد ارتضع طفل من الأولي، وللأب من الثانية بنت‏:‏ فهل للمرتضع أن يتزوج هذه البنت‏؟‏ وإذا تزوجها ودخل بها‏:‏ فهل يفرق بينهما‏؟‏ وهل في ذلك خلاف بين الأئمة‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا ارتضع الرضاع المحرم لم يجز له أن يتزوج هذه البنت في مذاهب الأئمة الأربعة بلا خلاف بينهم، لأن اللبن للفحل، وقد سئل ابن عباس عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما طفلا والأخرى طفلة‏:‏ فهل يتزوج أحدهما الآخر‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏ اللقاح واحد‏.‏ والأصل في ذلك حديث عائشة المتفق عليه قالت‏:‏ استأذن على أفلح أخو أبي القعيس، وكانت قد أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقالت‏:‏ لا آذن لك حتى استأذن رسول الله فسألته صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إنه عمك فليلج عليك، يحرم /من الرضاع ما يحرم من الولادة‏)‏، وإذا تزوجها ودخل بها فإنه يفرق بينهما بلا خلاف بين الأئمة‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن رجل له قرينة لم يتراضع هو وأبوها، لكن لهما أخوة صغار تراضعوا فهل يحل له أن يتزوج بها‏؟‏ وإن دخل بها ورزق منها ولداً، فما حكمهم، وما قول العلماء فيهم‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، إذا لم يرتضع هو من أمها ولم ترضع هي من أمه، بل إخوته رضعوا من أمها، وإخوتها رضعوا من أمه، كانت حلالا له باتفاق المسلمين، بمنزلة أخت أخيه من أبيه، فإن الرضاع ينشر الحرمة إلى المرتضع وذريته، وإلى المرضعة وإلى زوجها الذي وطئها حتى صار لها لبن، فتصير المرضعة امرأته، وولدها قبل الرضاع وبعده أخو الرضيع، ويصير الرجل أباه، وولده قبل الرضاع وبعده أخو الرضيع‏.‏ فأما أخوة المرتضع من النسب وأبوه من النسب فهم أجانب من أبويه من الرضاعة وإخوته من الرضاع‏.‏ وهذا كله متفق عليه بين المسلمين‏:‏ إن انتشار الحرمة إلى الرجل، فإن هذه تسمي مسألة الفحل والذي ذكرناه هو مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور الصحابة والتابعين‏.‏ وكان بعض السلف يقول‏:‏ لبن الفحل لا يحرم‏.‏ والنصوص الصحيحة‏:‏ هي تقرر مذهب الجماعة‏.‏

/ وسئل ـ رَحمه الله ـ عن أختين أشقاء لإحداهما بنتان، وللأخرى ذكر، وقد ارتضعت واحدة من البنتين وهي الكبيرة مع الولد‏:‏ فهل يجوز له أن يتزوج بالتي لم ترضع‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا ارتضعت الواحدة من أم الصبي ولم يرتضع هو من أمها جاز له أن يتزوج أختها باتفاق المسلمين‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله ـ عن امرأة أودعت بنتها عند امرأة أخيها، وغابت، وجاءت، فقالت‏:‏ أرضعتها‏؟‏ فقالت‏:‏ لا‏.‏ وحلفت على ذلك، ثم إن ولد أخيها كبر وكبرت بنتها الصغيرة وأختها ارتضعت مع أخيه الذي يريد أن يتزوج بها، فهل يجوز ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا كانت البنت لم ترضع من أم الخاطب، ولا الخاطب ارتضع من أمها، جاز أن يتزوج أحدهما بالآخر، وإن كان أخوها وإخوتها من أم الخاطب، فان هذا لا يؤثر بإجماع المسلمين، بل الطفل إذا ارتضع /من امرأة صارت أمه وزوجها صاحب اللبن أباه، وصار أولادهما إخوته وأخواته‏.‏ وأما أخوة المرتضع من النسب وأبوه من النسب وأمه من النسب فهم أجانب يجوز لهم أن يتزوجوا أخواته، كما يجوز من النسب أن تتزوج أخت الرجل من أمه بأخيه من أبيه‏.‏ وكل هذا متفق عليه بين المسلمين بلا نزاع فيه‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رَحمه الله ـ عن امرأة ذات بعل، ولها لبن على غير ولد ولا حمل، فأرضعت طفلة لها دون الحولين خمس رضعات متفرقات، وهذه المرضعة عمة الرضيعة من النسب، ثم أراد ابن بنت هذه المرضعة أن يتزوج بهذه الرضيعة‏:‏ فهل يحرم ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما إذا وطئها زوج، ثم بعد ذلك ثاب لها لبن، فهذا اللبن ينشر الحرمة، فإذا ارتضعت طفلة خمس رضعات صارت بنتها وابن بنتها ابن أختها، وهي خالته، سواء كان الارتضاع مع طفل أو لم يكن‏.‏ وأما أختها من النسب التي لم ترضع فيحل له أن يتزوج بها‏.‏ ولو قدر أن هذا اللبن ثاب لامرأة لم تتزوج قط فهذا ينشر الحرمة في مذهب أبي حنيفة، ومالك والشافعي، وهي رواية عن أحمد‏.‏ وظاهر مذهبه أنه لا ينشر الحرمة‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل شيخ الإِسلام ـ رَحمه الله ـ عن رجل خطب قريبته، فقال والدها‏:‏ هي رضعت معك، ونهاه عن التزويج بها، فلما توفي أبوه تزوج بها، وكان العدول شهدوا على والدتها أنها أرضعته، ثم بعد ذلك أنكرت، وقالت‏:‏ ما قلت هذا القول إلا لغرض‏:‏ فهل يحل تزويجها‏؟‏

فأجاب‏:‏

إن كانت الأم معروفة بالصدق وذكرت أنها أرضعته خمس رضعات فإنه يقبل قولها في ذلك، فيفرق بينهما إذا تزوجها ـ في أصح قولي العلماء ـ كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عقبة بن الحارث أن يفارق امرأته، لما ذكرت الأَمَة السوداء أنها أرضعتهما‏.‏ وأما إذا شك في صدقها، أو في عدد الرضعات‏:‏ فإنها تكون من الشبهات، فاجتنابها أولى، ولا يحكم بالتفريق بينهما إلا بحجة توجب ذلك‏.‏ وإذا رجعت عن الشهادة قبل التزويج لم تحرم الزوجة، لكن إن عرف أنها كاذبة في رجوعها وأنها رجعت لأنه دخل عليها حتى كتمت الشهادة، لم يحل التزويج‏.‏ والله أعلم‏.‏